أنا سيدة في أواخر الثلاثينات، تزوجت منذ 15 سنة بطريقة تقليدية وسريعة، وفى الحقيقة أنني لم أعترض على زوجي عندما تقدم لخطبتي، بل الحق أنني انبهرت به نظراً لصغر سني وقلة خبرتي بالحياة من جهة، ومن جهة أخري أن زوجي كان ولا يزال وجيهاً أنيقا يرتدي أفخر الثياب ويضع أغلى العطور ويقتني أغلي الأشياء وأجملها من كل شئ، وقد كنت إحدى مقتنياته الجميلة التي يفخر بها في كافة المحافل، وقد جعله عمله المميز في إحدى شركات الخطوط الجوية العالمية يزداد تألقا وتميزاً عن كل من حولنا وزاده ذلك تيهاً وغروراً وانصرافاً إلي عمله وانغماساً فيه.
وعندما تقدم لخطبتي وقتها كدت أطير من الفرح أن هذا الشاب الأنيق الوسيم فضلني علي كل من حوله، والحقيقة أنه طوال فترة الخطبة القصيرة جداً لم يعط كل منا الآخر فرصة لدراسة صفات شريكه ومعرفة طبائعه، إذ كان زواجي به زواجا عمليا تقليديا خاليا من المشاعر تماماً، وذلك لأنني وجدته كما ذكرت “عريس لقطة ” فوافقت بلا تردد وتم الزفاف خلال شهر واحد، والحقيقة أن زوجي طوال هذه السنوات الطويلة لم يبخل علي وعلى ابنتنا الوحيدة بشئ فقد أغدق لنا العطاء المادي فقط دون اهتمام بي أو بابنته، وذلك لكثرة أعماله وسفره الدائم وانشغاله المستمر، حتى أنه طيلة هذه السنوات لم يتناول معنا الطعام ولو مرة واحدة ولم يجلس معنا لمشاهدة التليفزيون، ولم يخرج بصحبتنا في أي مكان، بل إن بيتنا لم يشهد طوال هذه السنوات مشاجرة من أي نوع بيني وبين زوجي، إذ لا وقت لديه إلا للعمل.
وقد كانت النتيجة أن عشت في وحدة نفسية قاتلة وفراغ رهيب، وقد كنت أتغلب على وحدتي هذه بالذهاب إلى النادي وحدي أو مع مجموعة من الصديقات، حتى كان يوم من ذات الأيام قلب حياتي رأساً علي عقب، يوم رأيت فيه رجلا فى منتصف العقد الرابع شديد الجاذبية والغرور يتيه كبرياءً وثقة يوزع ابتساماته علي كل من حوله وكأنه أحد نجوم هوليود، دق قلبي بشدة لرؤيته وتصبب العرق من جبيني، وداخلني إحساس جم بالارتباك، وأحسست أنه وكل من حولي قد لاحظ ارتباكي فانصرفت مسرعة وكأنني أهرب من قضاء محتوم.
وفور عودتي إلى المنزل اتصلت بزوجي أرجوه الحضور لحاجتي إليه ولكنه اعتذر لارتباطه بعشاء عمل، ومرت بعد ذلك أيام وشهور نسيت خلالها هذا الموقف بكل تبعاته أو تناسيته محاولة أن أجد لنفسي السلوى ولقلبي العزاء، ثم حدث ذات يوم أن دعيت إلى حفل ميلاد إحدى الصديقات وهناك وجدت صديقتي تعرفني بشقيقها العائد منذ فترة قصيرة إلي الوطن بعد غربة طويلة، وهالتني المفاجأة ومادت الأرض من تحت أقدامي، إذ كان هو نفسه الشخص الذي قابلته في النادي قبل سابق، وسرعان ما تدفقت بيننا الأحاديث وانهار حائط الصد أمام لغته الآسرة وأسلوبه الساحر وقدرته العجيبة في الاستحواذ علي حواس من يتحدث إليه.
وصرنا نتحدث كما لو كنا أصدقاء قدامي وعشرة عمر ونسيت كل من حولي وكأن الدنيا خلت إلا منه، وشعرت بدفء حديثه وتدفقه ورومانسيته وعذوبة ألفاظه وأدبه الجم وثقافته وسعة إطلاعه وحواره الممتع وشخصيته الطاغية وروحه المرحة المحبة للحياة، وتمنيت لو أن الزمن توقف بي عند هذه اللحظات الجميلة التي أحسست فيها بكياني كإنسان لأول مرة إنسان يشعر ويفكر ويناقش ويحاور، وليس مجرد لوحة جميلة معلقة في بيت بارد علي حائط صلد رخامي، وانتبهنا أن الوقت قد حان للرحيل، وافترقنا مع وعد بلقاء آخر قريب.
والتقيت به بعد هذه المرة عشرات المرات، كنت أشعر فيها أن ما قد مضي من عمري لم أعشه فلم أعد أفكر إلا فيه ولم أعد أسمع إلا صوته ولا أري إلا طيفه، وقد عرفت منه أن له زوجة أجنبية في البلد التي كان يعيش فيها تركها هناك لخلاف حاد بينهما بسبب رفضها العودة معه وأنه ليس لديه أولاد ولم يحدد موقفه منها بعد، والحقيقة أن كل ذلك لم يثنيني عن التفكير فيه والتعلق به.
فقد أصبح يشعرني بمسئوليته الكاملة عني، أشعر في وجوده بسعادة حقيقية ثم أعود إلى منزلي فأتذكر زوجي فيقتلني الندم وأشعر بجرم ما ارتكبته وأنوي قطع صلتي بهذا الرجل الذي قلب حياتي الهادئة رأساً علي عقب وألقي في البحيرة الراكدة حجراً ثقيلاً يحرك كل ساكن، وكم من مرات أقسمت فيها ألا أعود وعدت، فأنا أضعف من أن أقاوم حبه، وأضعف من أن لا ألبي نداؤه حين يطلب لقائي، وأقسم لك يا سيدتي أني ما خنت زوجي فما بيني وبين هذا الرجل ليس إلا الحب البرئ النقي والاحترام المتبادل، بربك خبريني ماذا أفعل؟ و بما تنصحيني؟
الحائرة ع. ح – مصر
الفراغ مفسدة للعقل والنفس إن لم نشغلها بالحق شغلتنا بالباطل، فمعظم مصائبنا وكوارثنا تأتي من هذا الكابوس اللعين الذي يسهل للشيطان الانفراد بنا، واللعب علي أوتار ضعفنا والعبث بنفوسنا الأمارة بالسوء، وإن كان الشيطان مسكيناً فهو يتحمل عن الإنسان والحقيقة أنك لست وحدك المسئولة عما وصلت إليه، ولكن زوجك أيضاً مسئول بالمناصفة فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته كما قال صلي الله عليه وسلم، فقد تصور أنه بتوفيره لك الحياة المادية الكريمة إنما هو بذلك قد أخلي مسئوليته تجاهك، ولم يدرك أن الزواج مسئولية اجتماعية ونفسية أكبر منها مادية، والحق أني لا أحاول أن اظلمه فمن الواضح كما ذكرت أنه إنسان علي خلق حسن المعشر، وإن كان أخطا في ان جعل حياته كلها عمل ناسياً أن لك عليه حق
لكن ذلك لا يعفيك صديقتي م الخطأ في في حق نفسك وفى حق زوجك الذي لم يسئ إليك باعترافك، وبرغم أنه يتحمل جزء من مسئوليته عما وصلت إليه لكونه جعل العمل هو كل حياته ولكونه وفر لك كل ما تحتاجين فجنبك عناء التفكير في أية مشكلة تمر بكما وحمل عنك كل الأعباء، وتركك هكذا تبحثين عما يملأ فراغك فسمحت لنفسك بالتمادي في علاقتك بهذا الرجل الذي تمتدحين خلقه الحميد.
ولم لا يكون كذلك وهولا يتكبد في سبيل إرضائك سوي بعضاً من الكلام المعسول وسيل من التسبيل و التنهدات وكل ذلك لا يكلفه شيئاً، بعكس زوجك الذي يشقي في سبيل إسعادك وراحتك ويبذل لذلك الكثير من جهد ومال وقديماً قالوا إن الفستان الذي ترتديه المرأة جميل في نظر كل الناس ماعدا من يدفع ثمنه، و لو أن هذا الرجل كان كما تقولين لما سمح لنفسه علي الإطلاق بالتفكير في زوجة رجل آخر، وأين ذلك من حسن الخلق يا صديقتي، وهل مثل هذا النوع من الرجال يؤمن جانبه ذلك النوع الذي يجيد الصيد في الماء العكر ولا يعجبه إلا ما في يد غيره، ولو وصل إلي يده لألقي به بعيداً وراح يبحث عن غيره.
وهكذا الإنسان دائما في كل زمان ومكان منذ خلق الله آدم ومنذ أن قتل قابيل هابيل طمعاً في زوجته، فهو بدوره طمع في زوجة رجل آخر، وأنت بدورك لم تكتفي بما منحك الله من نعم وبدلا من أن تشكري ربك على نعمه وتستشعرين كرمه عليك ورحمته بك، وتؤدي واجبك نحوه و تملأى فراغك بما ينفعك وينفع ابنتك، بدلا ًمن كل ذلك رحت تركضين وراء سراب يحسبه الظمآن ماءً، هكذا آفة الإنسان دائما ألا يقدر قيمة النعم التي منحه الله إياها وبدلاًًَ من أن يشكر ربه على ما أعطاه يلهث وراء وهم زائف وأمل كاذب ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، فليست الخيانة خيانة الجسد فقط إذ أن خيانة الروح أعظم وأجل.
والغريب أن مبرراتك ضعيفة وحججك واهية فماذا تفعل من يسافر زوجها مغترباً سنوات طويلة ومن يتوفي عنها زوجها وهي بعد في ريعان الشباب هل كل هؤلاء يتخذن أخلاء لهن، وإذا كنت تودين العمل الصالح النافع لك في الدنيا والآخرة فكثيرة هي الجمعيات الخيرية وجمعيات رعاية الأيتام والمعاقين وغيرها خصصي جزءا من وقتك لهذه الأنشطة الاجتماعية لتري أن للحياة وجها آخر ولتشكري ربك وتعلمي أنه فضلك علي كثير ممن خلق، ولكنه كما يقول سبحانه وتعالي ” وقليلُ من عبادي الشكور ” صدق الله العظيم، سيدتي أفيقي من هذا الوهم واسعدي بحياتك وتعلمي أن للحياة وجه جميل مضئ لكننا بغبائنا وقصر نظرنا تعمي بصيرتنا عن إدراكه فلا ندركه إلا إذا لا قدر الله ألمت بنا الملمات والنوازل فنتذكر الأيام الخوالي ونحزن علي أننا أضعناها في تفاهات.
استغلي كل لحظة تمر عليك في عمل نافع مفيد ينفعك وينفع من حولك وعيشي حياتك واسعدي بها وقولي لنفسك إنك أفضل المخلوقات علي وجه الأرض وأن الله منحك الكثير من النعم التي تستحق شكره التام عليها، تخلصي من ذلك الشيطان الذي بداخلك والذي يوشك أن يوقع بك في شركه ويخرجك من رحمة الله، ابتعدي بنفسك عن انكسار النفس والروح، وما أصعبهما علي المرء، وتذكري نعم الله عليك ولا تقابلي إحسان زوجك بالجحود والنكران كي لا يبدل الله نعمه فتنقلب نقمة والعياذ بالله، فتقربي إليه داعية إياه أن يمنحك القدرة على الخروج من هذه المحنة دون خسائر و أسأل الله لك التوفيق و الهداية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته